lundi 11 février 2013

الاسود يليق بك... أحلام مستغانمي...





بعض الرّوايات تشدّنا... فبقدر ما نبحث عنها، نهرب منها...


نبحث في ثناياها عن أنفسنا، أو بعض من قصصنا... نراقص ابطالها، في لحظات ضعفهم و أزمنة قوّتهم...

كلمات ترسم بالأسود خبايانا فنقف عند بعضها كأنّما استطاعت أن تعبّر عمّا لم نستطع أن نعبر عنه أو ما لم ندرك معانيه رغم بساطتها...


بعض الكلمات نتوقّف عندها، فلا نستطيع مواصلة القراءة، كلمات تحملنا معها بعيدا في الزّمن، لكنّها توغل فينا، تنبش فينا، ترفع أغطية تدثّرنا بها، فترتعش أوصالنا رغم دفء شمس لم تعد حواسّنا تدركها...


نهرب منها، كما نهرب من حقائقنا... ففي اعماقنا فرح غطّته احزاننا، أو ربّما هي خيباتنا... فلا نريد أن نحيي ذكراها أو أن ننفض الغبار عن جراحاتها... لعلّنا، نتعلّم يوما الرقص على الرّماد، و هل يستطيع الرقص ان ينفض عنّا غبار الذّاكرة، و كم تراكم  في الذّاكرة  من غبار ما زال رماده حارقا ما ان تلامسه اناملنا...


تقول:" لا أفقر من امرأة لا ذكريات لها"... لئن كانت الذّكريات تغنينا فإنّها تهرئ أوتارنا بضرب سياطها، عندما تحتلّ وسائدنا و تحيّر مضاجعنا كلّما حاولنا مداعبتها...


فكم من مرّة نغادر السّرير حتّى لا تفسد غيوم الماضي مزاجنا فيكون الأرق أخفّ وطأة من ألم الذّكريات...


أحلا م مستغانمي في روايتها الأخيرة " الأسود يليق بك" لم تترك لي مجالا لاختيار بعض المقتطفات. ففي كلّ صفحة أجد كلمة، جملة، أو فقرة تستحقّ ان تُحفظ و تُخطّ بماء الزّهرأو بنار اللّهب أو بدخان عبرة تحترق...


رواية هي مزيج لقصص حبّ متنوّعة، أو قصص ألم متتابعة تتخلّل اوقاتا تجترّ فيها بعضا من الذّكريات...

قصّة حبّ البلد، بماضيه و حاضره و مستقبله. بلد اعطى و اخذ، بلد علّم و اغنى الفكر و الذّكريات. بلد ابكى و أسال الدّم و الدّمع حتّى استحالت في ربوعه الحياة. لكنّه لم يستطع أن يُلغي يوما قصّة العشق الدّائم و الذّكريات التّي تلاحق رغم الإبتعاد...


إنّها قصّة شهيد مات بحثا عن هدف للحياة. رصاصات غادرة تسلب الحياة لكنّها لا تمنع الحياة. و ما أكثر الرّصاصات التّي تقتل اعزّاءنا و تقتلنا رغم أنّها لم تلامس أجسادنا...


إنّها قصّة انتظار، قصّة وهم تبدأ في مطار خال رغم امتلائه... عندما ترمقنا أعين لا نراها أو ربّما هي التّي لا ترانا... فما أقسى ان نمرّ بجانب اقدارنا دون أن ندركها...


هي قصّة رجل شرقيّ بكبريائه، بنرجسيّته و بعقده. رجل كما وصفته أحلام بقولها:" رجل لم يُشف من خيانة المرأة الأولى في حياته، تلك التّي تخلّت عنه لتتزوّج غيره. طوال عمره سيشكّ في صدق النّساء، و سيتخلّى عنهنّ خشية ان يتخلّين عنه، كشهريار، سيقاصصهنّ على جريمة لا علم لهنّ بها". فكان يُغدق الى حدّ الإغراق، و يشحّ خوفا من أن تفلت مرساة عشقه من بين يديه، حتّى يكون هو سيّد الجسد و القلب و العقل. عقل امرأة تحبّ لكلمة، تعشق لباقة ورد و تذوب لقبلة تجعلها تدرك معنى لشفتيها...
 و تنتهي المرأة بوحدتها تجالس مناديل البكاء... " فثمّة شهوات لم تُخلق لتُعاش و ما دمنا لا نعيشها، تعيش فينا"...


و تلخّص مستغانمي في كلمات جزءا من فلسفة الحياة:" هي الحياة، لا ندري و نحن نجلس الى مائدة مباهجها، ماذا تراها تسكب لنا لحظتها في أقداحنا. في الواقع، لسنا من نختار مشروبنا، نحن نختار النّديم. أما النّدم فيختاره لنا القدر."
 كما تلخّص مأساة الحبّ " مأساة الحبّ الكبير ليس في موته صغيرا بل في كونه بعد رحيله يتركنا صغارا... فالحبّ مُوجعٌ و موجوع ابدا".


و بهذه الأبيات الأخيرة نتعلّم تجاوز الخيبات و ان نرقص على اشلاء الذّكريات :

" ارقص كما لو أنّ لا احد يراك

غنّ كما لو أن لا أحد يسمعك

أحبّ كما لو أن لا أحد سبق أن جرحك...

أيّتها الحياة

دعي كمنجاتك تطيل عزفها.. و هاتي يدك.

لمثل هذا الحزن الباذخ بهجة..

راقصيني."