vendredi 13 janvier 2012

ذكرى ليست للاحتفال


بحثت في ذهني و في ذاكرتي عمّا يعنيه تاريخ 14 جانفي فلم أجد من الأحداث إلا فرارا لما كان يسمّى برئيس و أصبح يكنّى بالمخلوع. هي ربما تداعيات لثورة بدأت بوادرها منذ بضع سنوات نتيجة تفاقم مشاكل اجتماعيّة و اقتصاديّة مع إحساس بالمهانة و الظلم و الحيف، فكانت شبه الانفجار الذي انطلق بأكثر كثافة و وضوح في منتصف ديسمبر من بعض ولايات الدّاخل و الجنوب ليشمل كامل البلاد بدرجات متفاوتة و يشتعل أخيرا في العاصمة

ما ميّز يوم 14 جانفي 2011 هي تلك الوقفة الحاشدة أمام وزارة الدّاخليّة و ارتفع فيها صوت الجميع في اتّجاه واحد ثمّ نبا الفرار.

فهل يمثّل ذلك مبرّرا لاعتبار هذا التّاريخ عيدا و مناسبة للاحتفال؟ هل كان ذلك الفرار تتويجا لهبّة شعبيّة و ثورة أم هو مجرّد ضربة حظّ لعبت لفائدة التّونسيّين لإيقاف ما كان يمكن أن يكون حمّام دماء؟ لنفترض ذلك، لكن أليس من الأجدر أن نسمّي هذا الاحتفال بذكرى رحيل الديكتاتور لانّ الاحتفال بالثورات على ما اعتقد يجب أن يوجد له مبرّر على ارض الواقع و شخصيّا لا أرى في الوضع أي مبرّر للاحتفال.

ما الذّي تغير؟ حريّة عشواء تبحث لنفسها عن مبرّرات فلا تجد أي مفهوم منطقيّ لها. صحافة و جدت متنفّسا لتطلق العنان لتحليلات و إرهاصات فتصيب أحيانا و تتعثر في اغلب الأحيان.

هي سنة أبرزت للعيان فقرا و بؤسا كان مخفيّا وراء واجهة من أرقام و نسب تنمية لا تعكس من الواقع شيء، فكانت مجرد ذرّ رماد على الأعين.

هي سنة تفجّرت فيها كلّ التناقضات، فظهر الجهل و قلّة الوعي و الاصطياد في المياه العكرة و كأنها الفرصة المناسبة للمطالبة بتحقيق ما كان مسكوتا عنه طيلة عشريّات على ان يتحقّق في ظرف أيام، و هي في اغلبها زيادة أو رفع في الامتيازات الماديّة.

هي سنة وضع كلّ لنفسه قانونا خارقا للقانون، انتصاب عشوائيّ هنا و هناك. مبان أقيمت في غير أماكنها ثمّ اليوم تطالب بالماء و الكهرباء و الطّريق و حتّى التّصريف الصحّي. البعض احتلّ مساكن الغير رافضا الخروج منها و كأن كلّ شيء يجب أن يهدى حتّى وان كان عن طريق الافتكاك.

هي سنة تحول فيها بعض الرجال من معتصمين في المقاهي او أمام الكانون و برّاد الشّاي إلى معتصمين أمام مراكز الولايات يقتصر مطلبهم على عمل مريح أو منحة أو حتّى إعانة بينما الزّوجة أو الابنة تجلب الماء و الحطب و تسدّي الصوف لتلبّي البعض من الاحتياجات. فما أكثر الأراضي المهملة التّي أهملها أصحابها فتحوّلت إلى بور... هؤلاء هم الذّين يصح عليهم القول "الفقر لا يظلم أحدا" و هؤلاء كثيرون.

هى سنة تحوّل فيها العنف إلى وسيلة يستخدمها الكثيرون لفرض وجهات نظرهم أو رفضهم لهذا أو ذاك، و مستعملين كل الأشكال من العنف المادي إلى اللفظي إلى التشهير و الثّلب.

هي سنة تحوّلت فيها بعض النّساء إلى خيام سوداء، نفت فيها كلّ مظهر من مظاهر ذاتيّتها لتتحول إلى مصدر فتنة لا بد من حجبه عن عيون ذكور لم يعرفوا من سنّة الرّسول إلا تلك اللحية و قميص أفغانستان.

هي سنة يضرب فيها الجامعيّ و الطّالب الرّاغب في تحصيل العلم و يطبطب على كتف من أقام إمارة في سجنان.

هي سنة انقسم فيها التونسيّون إلى فائزين، أولئك الحاملين راية الإسلام، الفاتحين، المعلّمين العباد ما لم يفقهوه منذ أن كانت القيروان عاصمة للإبداع و الفكر و الانفتاح. و البقيّة متفرنسين، معارضين، كفّار يحقّ فيهم استعمال حدّ السّيف، فما أسهل التكفير في هذه الأيام.

هي سنة أصبحت فيها الكفاءة تقاس بسنوات النضال في غياهب السّجون حتّى و إن كان ما سجنوا من اجله جرائم اعترفوا هم أنفسهم باقترافها.

هي سنة تحوّل فيها من يشعل في نفسه النّار شهيدا، من يلقي نفسه من الطّابق الرّابع شهيدا و من يسرق أو يهدم منشأة عموميّة أو خاصّة أيضا من الشهداء، و ما أكثر هؤلاء، افليس ما أقدموا عليه تعبير عمّا يقاسيه الإنسان، فهم شهداء الظلم أو الخصاصة أو انسداد الآفاق فللشهادة تصنيفات لم أكن أدركها. و الأغرب أن بعضهم تحوّل إلى أبطال باختيارهم لمكان أو زمن إشعال عود الثّقاب.

هي سنة أصبح الكلّ فيها جرحى و مصابين و مطالبين بالتّعويضات. حتّى جارنا المصاب عند فراره من السّجن أصبح من الضّحايا و من أصحاب الاستحقاقات و لم يكفه ما ناله إلى حدّ الآن من أموال كتعويضات.
هي سنة تحوّلت فيها الطّرقات و السكك الحديديّة و مداخل المؤسسات إلى مكان مناسب للاعتصام، فمن اجل مطالب البعض تتوقف كل الأعمال.

هي سنة هدّمت فيها المصانع و المحلاّت، نهبت و احرق ما فيها من معدّات فهرب المستثمرون و أصبحنا نستجدي من الخنازير في الصدقات.

............

الأمثلة عديدة و لا يمكن حصرها في بعض الكلمات، و حتّى الأمثلة التّي ذكرتها لا تقدّم إلا صورة جزئيّة عمّا لم يتغيّر و إنما زاد سوءا و تفاقما. و حتى بعض الجوانب المشرقة ما زالت تحتاج إلى الكثير.

فما أجمل سهرات الأجوار في ليالي الشتاء مكونين لجانا لحماية أحيائهم.
ما أجمل تلك الشّموع التّي أشعلت لتقول أن الشّهداء في قلوب الجميع و أن لا احد يمكن أن ينسى طفلا أو شابا إصابته رصاصة وهو لا يحمل في داخله إلا حلما بمستقبل أفضل.
ما أجمل التونسيّ الذّي لم يعد يعرف الخوف لكنّه يدرك أن اللاّ خوف و أن الحرّية مسؤولية يجب ان يحميها و يحافظ عليها قبل أن تكون استحقاقا، فالحرّيات لا تهدى.
ما أجمل تلك الضحكات على أكثر الأوقات تعاسة، فكلّ شيء يتحول إلى كاريكاتوري و ما أكثر الإبداعات في هذا المجال....

لكن هل هذا كافي لنقيم الاحتفالات؟ ما زال الوقت مبكّرا للاحتفال، و ذلك حتّى لا أقول أن ما "تتحقّق" لا يستدعي أي احتفال، فخوفي أننا شعب تلهيه الاحتفالات عمّا هو أساسي، فننسى أن الكرامة و الحرّيّة هي هدفنا.

لكن ما يطمئنني أن في هذا البلد أناس يعشقون ترابه، و مستعدّون للتّضحية من اجله دون طمع في كرسي او منصب و هؤلاء سيكونون دوما جدار صدّ لكلّ محاولة تسير بنا الى الوراء.

و لتحيى تونس فهي فوق كل اعتبار

2 commentaires:

  1. l'amertume en voyant l'état des gens à l'avenue un an après, prouve que rien n'est à fêter.
    meskina ya tounes :(

    RépondreSupprimer
  2. لك كل الحخق قي الغضب ...أرى أن لا شيء يدعو للإحتفال في ظل هجمة الردة و خفافيش الظلام الدين خرجوا فجأة من جحورهم ليقيموا إمارات الرعب و تهديد المجتمع المدني....فقد ثار الناس من أجل الخبز و الكرامة و الحرية...فأين نحن من هذا ؟؟؟؟

    RépondreSupprimer